الأخبار

هل وصلت حروب “التزييف العميق” إلى السياسة والإعلام في موريتانيا؟!

في السنوات القليلة الماضية تزايدت وتيرة «التسجيلات المسربة» والمنسوبة لشخصيات موريتانية عامة، فيما أثار ما حملته من مضامين جدلا واسعا عبر وسائل الإعلام ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وتطورت تبعات بعضها ليصل إلى أروقة المحاكم.

وبغض النظر عن مدى صحة بعض أو كل هذه التسجيلات، فإن تكرر حدوثها وارتباط العديد منها بالسياسية والشخصيات العامة يدفعنا إلى الحديث عن القادم المخيف أو ما بات يعرف بتقنيات التزييف العميق.

ماذا نعني بالتزييف العميق؟

تؤول تعريفات التزييف العميق (Deep fake) إلى أنه تقنية تقوم على دمج صور وأصوات ولقطات فيديو لصناعة مشهد مصور أو تسجيل صوتي لشخصية ما اعتمادا على الذكاء الاصطناعي، بحيث يبدو وكأنه حقيقي وهو في الواقع مزيف.

ومن بين أشهر نماذج التزييف العميق الفيديو الذي تم تداوله في إبريل 2018، ويظهر الرئيس الأمريكي الأسبق بارك أوباما وهو يحذر من مخاطر هذه التقنية، وفي الواقع ليس هذا الفيديو سوى عملية تزييف تمت عبر الاستعانة بدمج مقاطع فيديو وخطابات عديدة لأوباما.

مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربيرغ كان من ضمن أشهر الشخصيات العالمية التي تمت صناعة وتداول مقاطع فيديو منها بهذه التقنية، فظهر وهو يتحدث عن أهداف فيسبوك بوصفه أداة لجمع أكبر قدر من المعلومات عن المستخدمين لا مساعدتهم على التواصل، ليتبين أن المقطع مجرد تزييف.

وفي فيديو آخر من نماذج التزييف العميق ظهرت ملكة بريطانيا آليزابيث الثانية ذات الخامسة والتسعين عاما وهي ترقص بعيد إلقاء خطابها بمناسبة عيد الكريسماس والذي تضمن عبارات غريبة على قاموسها مع تصريحات غير دبلوماسية.

مخاطر وتحذيرات

تتطور تقنيات التزييف العميق بشكل متسارع وتنتشر تطبيقاتها المجانية ويتوسع استخدامها لصناعة مقاطع تستغل في الابتزاز السياسي والأخلاقي وغيرها.

ومع أن تاريخ ظاهرة تزييف الصور ومقاطع الفيديو يعود إلى ما قبل سنوات طويلة، إلا أن الفترة القليلة الماضية شهدت تطورا هائلا في هذا الصنف من التزييف، خصوصا مع صعوبة التمييز بين الحقيقة والزيف.

وهذا ما دفع بوكالة الشرطة الأوروبية (اليوروبول) إلى التحذير من تأثير هذه التقنية في تقويض ثقة الناس في السلطة والحقائق الرسمية، ودعت في تقرير لها من 23 صفحة إلى جعل مكافحة هذا النوع من التزييف أولوية.

وأطلقت وكالة يوروبول تحذيرا جاء فيه أنه “يجب على صناع السياسات ووكالات إنفاذ القانون تقييم السياسات والممارسات الحالية، وتكييفها، كي نكون مستعدين لمواجهة الواقع الجديد للتزييف العميق”.
وأضافت «الخبراء يخشون من أن يؤدي هذا إلى وضع لا يملك فيه المواطنون حقيقة مشتركة، أو إلى خلق إرباك في المجتمع حول وسائل الإعلام التي يمكن الوثوق بها (…) وهو وضع يسمى أحياناً (نهاية عالم المعلومات)، أو (اللامبالاة تجاه الحقيقة)».

حمى التسريبات بموريتانيا

في 22 يونيو 2022، تم تداول تسجيل صوتي منسوب لرئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية سيدي محمد ولد الطالب أعمر رفقة مستشاره سيداتي ولد سيد الخير. ويتضمن إساءة لإحدى قبائل المجتمع، ليتقدم بعض أبنائها بشكوى إلى العدالة.

تعليقا على التسجيل المتداول غرد رئيس الحزب عبر تويتر ودون مستشاره في فيسبوك، وتحدثا عن “فبركة” قصد إلحاق الضرر بهما، بينما اعتذر الأول لمن “يرى  ويتصور أنه مقصود بحفوى هذه الفبركة”  

يعود بنا هذا التسجيل الجديد إلى الوراء، فقبل أكثر من عقد تم تداول تسجيل منسوب لرئيس الجمهورية السابق محمد ولد عبد العزيز وهو يفاوض شخصا يتحدث بلهجة عربية مشرقية حول صناديق تحوي مبالغ مالية من العملة الصعبة، وهو ما نفاه ولد عبد العزيز حينها، رغم تأكيد نواب معارضين حصولهم على خبرة دولية تثبت مطابقة الصوت لصوته. 

وبعد سنوات، وتحديدا منتصف العقد الماضي، تم إلقاء القبض على مواطن يمني يقيم في مالي واستجلب إلى نواكشوط للتحقيق في ظروف غامضة، ووفق ما أكدت وسائل إعلام موريتانية خاصة نقلا عنه فقد أجبر على التعويض للرئيس السابق، وأشار إلى أن التوقيف جاء على خلفية ملف صناديق أكرا التي ينفي أي علاقة له بها.

وبين التسجيلين تم تداول عدة تسجيلات صوتية ومقاطع فيديو مسربة من شخصيات عامة. وعلى خلفية أحدها ـ يتضمن انتقادا للوزير الأول السابق إسماعيل ولد الشيخ سيديا ـ تمت إقالة المديرة السابقة لشركة سوماغاز فاطمة بنت دحي.

أغلب من نسبت إليهم هذه التسجيلات تحدثوا عن فبركة وتحريف وتلاعب للإضرار بسمعتهم السياسية كشخصيات عامة، ومنذ أعوام رفعت دعوى ضد القيادية السياسية فاطمة بنت موسى ولد خيري والتي تتهمها بنت دحي بتزييف التسجيل المذكور آنفا، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن ما إذا كان لبعض هذه التسجيلات علاقة بتقنية التزييف العميق!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى