الأخبار

موريتانيا تصعّد حربها الرقمية ضد 1XBET: جهود حجب مكثفة في مواجهة تحديات تقنية

نواكشوط – تحقيق خاص:

في تحرك لافت يعكس تنامي المخاوف من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لمنصات المراهنات الإلكترونية، كشف وزير التحول الرقمي وعصرنة الإدارة في موريتانيا عن جهود حكومية تستهدف حجب منصة 1XBET الشهيرة. الرسالة التي وُجهت إلى إحدى صانعات المحتوى، سلطت الضوء على قلق السلطات المتزايد إزاء الانتشار الواسع للمنصة بين الشباب والمراهقين في البلاد خلال السنوات الأخيرة.

وقد ثمّن الوزير الجهود التوعوية التي يبذلها حساب Funflix Rim، والذي يشتهر بتقديمه المحتوى الساخر.

وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تقارير مقلقة صادرة عن وحدة الأمن السيبراني في الدرك الوطني، والتي تشير إلى خسارة موريتانيا ما يقارب مليار أوقية خلال عام واحد فقط نتيجة لعمليات الاحتيال الإلكتروني ومواقع الرهان. وحذرت الوحدة من أن أغلب المتورطين هم من فئة الشباب، بل وحتى الأطفال، حيث تم تسجيل حالات لقُصّر من مواليد عام 2016.

وكانت وزارة العدل قد أصدرت في الثالث من يونيو 2024 تعميمًا يقضي بحجب الروابط والنطاقات الرقمية التي تُستخدم في جرائم الاحتيال الإلكتروني، داعيةً الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة إلى تفعيل كافة الوسائل التقنية المتاحة لجمع الأدلة وحفظ البيانات الرقمية ذات الصلة.

ويأتي هذا التحرك الحكومي في ظل الانتشار المتزايد لمنصات الرهان، وعلى رأسها 1XBET، بين أوساط الشباب والمراهقين، وتغلغلها في البيوت الموريتانية، مساهمةً في خسارة المدخرات.

1XBET: بصمة عالمية ومخاطر تتفاقم محليًا

منصة عالمية وعروض مغرية: تُعد 1XBET منصة مراهنات رياضية إلكترونية انطلقت في روسيا عام 2007، قبل أن تنتقل لتسجيل مقرها في قبرص. تقدم المنصة خدمات متنوعة تشمل المراهنات الرياضية والكازينو عبر الإنترنت، واستقطبت ملايين المستخدمين حول العالم بفضل عروضها الترويجية المغرية وتعدد خيارات الدفع وسرعة عمليات السحب. وقد عززت 1XBET من انتشار علامتها التجارية عبر شراكات رعاية مع أندية كرة قدم عملاقة مثل برشلونة وباريس سان جيرمان. كما أطلقت المنصة نسخة باللغة العربية تستهدف جمهورًا واسعًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتصبح من بين أبرز مواقع المراهنات في العالم العربي.

تحريم شرعي وتحذيرات مجتمعية:
وعلى الرغم من انتشارها العالمي، تصنف المراجع الفقهية الإسلامية 1XBET ضمن أنشطة القمار والميسر المحرمة شرعًا. ويحذر العلماء المسلمون باستمرار من الانخراط في المراهنات الإلكترونية، واصفين إياها بالظاهرة الخطيرة التي تستهدف الشباب بوهم الثراء السريع، لتتحول إلى إدمان رقمي يهدد استقرارهم المالي والنفسي والاجتماعي.

آثار اجتماعية مدمرة وحالات انتحار:
وتشير الجهات التوعوية إلى الآثار الاجتماعية المدمرة المترتبة على هذا الإدمان، بدءًا من تفكك الأسر والمشاكل الزوجية الناجمة عن تراكم الديون، وصولًا إلى ارتكاب جرائم مالية كالاحتيال والسرقة بهدف تمويل هذه العادة القاتلة. وقد شهدت بعض الدول حالات انتحار مأساوية لشباب فقدوا مدخراتهم في المراهنات الرقمية.

سياسات حجب المواقع: حل تقليدي في مواجهة تحديات تقنية

حظر قانوني في دول عديدة:
وفي ظل هذه المخاطر المتزايدة، اتخذت العديد من الدول إجراءات قانونية لحظر نشاط 1XBET على أراضيها. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، لا تملك الشركة ترخيصًا من هيئة المراهنات، ما يجعل عملياتها غير قانونية. وقد أُجبرت على مغادرة السوق البريطاني بعد تحقيقات كشفت عن مخالفات جسيمة في أساليبها الدعائية. أما روسيا، الدولة التي نشأت فيها المنصة، فقد أصدرت مذكرات توقيف دولية بحق مؤسسي 1XBET بتهمة إدارة مراهنات غير مشروعة، وتم تجميد أصول لهم داخل البلاد تقدر بمليارات الروبلات. كما تم حظر المنصة في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وإسرائيل والولايات المتحدة وغيرها، لعملها دون ترخيص وبشكل مخالف للقانون. وفي العالم العربي، تتصدى المملكة المغربية لنشاط 1XBET، حيث رفعت الهيئة الوطنية المغربية للرياضات (MDJS) دعوى قضائية ضد الشركة لمزاولتها أنشطة غير قانونية داخل البلاد، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا والهند (جزئيًا). وبشكل عام، تواجه المنصة حظرًا رسميًا في العديد من الدول التي تعتبرها تهديدًا أخلاقيًا وقانونيًا لمواطنيها.

الحجب كإجراء أولي:
تعتبر سياسة حجب المواقع الإلكترونية المخالفة إجراءً أوليًا تلجأ إليه العديد من الدول في محاولة لوقف أنشطتها. ويتم ذلك من خلال إصدار أوامر لمزودي خدمات الإنترنت بمنع الوصول إلى نطاقات مواقع محددة، مثل 1XBET، داخل الحدود الجغرافية للدولة. ويبدو هذا الحل في ظاهره مباشرًا وفعالًا؛ فإذا تم حظر الموقع، فلن يتمكن المستخدمون من الوصول إليه. وقد اتبعت بالفعل العديد من الدول العربية هذا النهج في حجب مواقع المراهنات بعد انتشارها وتسببها في مشاكل اجتماعية، معتبرةً أن إغلاق الوصول إلى هذه المواقع يمثل خطوة ضرورية نحو تعزيز الأمن المجتمعي.

محدودية الفعالية وتقنيات التجاوز:
إلا أن التجارب التقنية تشير إلى محدودية فعالية الحجب في ظل طبيعة الإنترنت المفتوحة. فمجرد حظر النطاق الأصلي للموقع قد يكون ذا تأثير مؤقت للغاية. وسرعان ما تلجأ المنصات المحجوبة إلى استبدال نطاقها المحظور بآخر جديد في غضون دقائق معدودة باستخدام تقنيات النطاقات المرآة (Mirror Domains)، مما يعيد الخدمة إلى المستخدمين. وقد كشف تقرير تقني حديث حول 1XBET أن التطبيق الخاص بالمنصة يتمتع بقدرة فائقة على تجاوز حجب النطاقات؛ فعند حظر مجموعة من الروابط، يقوم التطبيق بإنشاء روابط بديلة جديدة في غضون دقائق لاستمرار الخدمة. بل تعتمد 1XBET على خوارزمية متطورة لتوليد النطاقات بشكل مستمر (Domain Generation Algorithm – DGA) ، بحيث يتغير عنوان الخادم بشكل دوري مع تحديثات التطبيق. وهذا يعني أن القائمين على الحجب يواجهون ما يشبه لعبة (whack-a-mole): فكلما تم إغلاق نطاق، ظهرت نطاقات بديلة على الفور.

تأثير حجب عناوين IP و DNS:
علاوة على ذلك، فإن حجب عناوين بروتوكول الإنترنت (IP Addresses) ونظام أسماء النطاقات (Domain Name System – DNS) التي تستخدمها 1XBET قد يؤدي إلى حجب مواقع وتطبيقات وطنية أخرى. والسبب في ذلك هو أن 1XBET تستخدم خدمات شبكات توزيع المحتوى (CDN) مثل Cloudflare لإخفاء البنية التحتية الحقيقية، ونظرًا لشح عناوين بروتوكول الإنترنت (IP Addresses) عالميًا، تعتمد شبكات توزيع المحتوى (CDN) على آلية تدوير العناوين (IP Rotation) بين المستخدمين والخدمات المستضافة، مما يؤدي إلى مشاركة نفس عنوان IP بين عدة كيانات مختلفة خلال فترات زمنية قصيرة.. وبالتالي، فإن عنوان IP الذي تستخدمه 1XBET حاليًا قد يكون مستخدمًا بعد فترة وجيزة من قبل خدمة وطنية، وهو ما حدث بالفعل مؤخرًا وأدى إلى حجب بعض المواقع والتطبيقات المصرفية عن بعض مزودي خدمة الإنترنت.

تحايل المستخدمين عبر VPN والبروكسي:
وحتى في حال نجاح الحجب بشكل مؤقت، يمتلك المستخدمون أدوات سهلة لتجاوزه. فقد أصبحت الشبكات الخاصة الافتراضية (Virtual Private Networks – VPN) وخوادم البروكسي (Proxy Servers) شائعة الاستخدام، وتمكن أي مستخدم من إخفاء موقعه الجغرافي والظهور وكأنه يتصفح الإنترنت من دولة أخرى لا تحجب الموقع المطلوب. وبذلك، يستطيع المستخدم الدخول إلى المنصة المحظورة كما لو كان خارج البلاد. كما أن تغيير خدمات نظام أسماء النطاقات (DNS) إلى خدمات مفتوحة يسمح بتجاوز الحجب القائم على حظر عناوين نطاقات محددة. ويشير التقرير التقني نفسه إلى أن 1XBET نفسها توفر أحيانًا روابط بروكسي مدمجة لمستخدميها، بحيث يظهر الجهاز وكأنه متصل من منطقة مختلفة لتجاوز القيود المفروضة. وأمام هذه الأساليب، يتضاءل تأثير الحجب التقليدي، خاصة بين الفئات الشابة التي تتمتع بمهارات عالية في استخدام التقنيات الحديثة.

تكلفة المراقبة المستمرة:
إن فرض الرقابة الإلكترونية وحجب المواقع ليس مجرد إجراء تقني بسيط، بل هو عملية معقدة ومكلفة تتطلب من الحكومات استثمار موارد مالية وبشرية ضخمة لملاحقة المحتوى على الإنترنت. ويتطلب الأمر فرقًا تقنية متخصصة تراقب على مدار الساعة ظهور روابط جديدة للموقع المحظور، وتحديث قوائم الحجب بشكل مستمر. وقد يستلزم الأمر أيضًا شراء أنظمة فلترة (Filtering Systems) متقدمة قادرة على رصد المحتوى المحظور حتى لو انتقل إلى عناوين IP مختلفة أو تم تشفيره داخل تطبيقات. وتمثل هذه البنية التحتية للمراقبة عبئًا كبيرًا على ميزانيات الدول، خاصة إذا كان هناك مئات أو آلاف المواقع التي يتعين حجبها. ويعترف المسؤولون في بعض الأحيان بأن الحجب ليس حلًا نهائيًا، بل هو إجراء مؤقت يحتاج إلى دعم بإجراءات أخرى أكثر استدامة.

بدائل الحجب: الرقابة المالية وتجارب دولية ناجحة

تجفيف المنابع المالية كبديل فعال:

في مواجهة قصور الحجب التقني بمفرده، تتجه الأنظار إلى بدائل تكميلية أكثر فعالية على المدى الطويل. ويبرز من بين هذه البدائل تجفيف المنابع المالية لأنشطة المراهنات الإلكترونية، من خلال تتبع ومنع تدفق الأموال من وإلى هذه المنصات. فالهدف الأساسي من المراهنة هو الكسب المالي؛ وإذا تعذر على المراهنين إيداع أموالهم أو تلقي الأرباح، ستتراجع جاذبية هذه المواقع بشكل تلقائي.

تجميد الحسابات البنكية للوسطاء:
ويلجأ العديد من المراهنين إلى التطبيقات البنكية المنتشرة في موريتانيا، والتي يستخدمها وسطاء 1XBET لتحويل وسحب أموال المراهنين. لذا، فإن تجميد هذه المحافظ المرتبطة بأنشطة المراهنات يعتبر ضروريًا لوقف نزيف الأموال. فعلى سبيل المثال، إذا تبين أن محفظة بنكية تُستخدم بشكل متكرر لشحن رصيد في موقع قمار وسحب أرباح منه، فيمكن بالتعاون مع البنك المركزي أو البنك الوسيط تعليق نشاطها والتحفظ على الرصيد بموجب قرارات قضائية. وتساهم سهولة شحن الحساب في مواقع القمار وسحب الأموال، من خلال حسابات الوسطاء الذين يمتلكون حسابات في تطبيقات بنكية وطنية، في تفاقم المشكلة.

النموذج الإندونيسي في تجميد الأموال:
وقد تبنت إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، حملة وطنية شاملة ضد القمار الإلكتروني ركزت بشكل أساسي على تجميد الأموال. وأعلن البنك المركزي الإندونيسي عن تجميد الحسابات المصرفية التي يُشتبه في استخدامها لأنشطة مراهنات، مع مصادرة أرصدتها لصالح الخزانة العامة للدولة. وكشف مسؤولون عن تشكيل فريق مشترك عمل على رصد الحسابات البنكية المتورطة في التعامل مع منصات القمار، وتمت إحالة بيانات أصحاب هذه الحسابات إلى الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.

نجاح التجربة الإندونيسية:
وبالتوازي مع ذلك، أعلنت السلطات الإندونيسية عن إغلاق أكثر من مليوني موقع مراهنات إلكترونية، وأعلن البنك المركزي الإندونيسي في عام 2024 عن تجميد أكثر من 7,500 حساب مصرفي يُشتبه في استخدامها لأنشطة مراهنات، مع مصادرة أرصدتها لصالح الخزانة العامة للدولة، وذلك في إطار جهود شاملة لمكافحة هذه الظاهرة. ويعكس نجاح التجربة الإندونيسية استراتيجية متكاملة جمعت بين الحجب الواسع وتجفيف منابع التمويل والملاحقات القانونية، مما شكل رادعًا حقيقيًا لشبكات القمار الإلكتروني.

الخلاصة: استراتيجية متكاملة لمواجهة التحدي الرقمي

أهمية تجفيف المنابع المالية:
يُظهر النجاح الذي حققته إندونيسيا في مكافحة القمار الإلكتروني فعالية تبني استراتيجية متكاملة تجمع بين الحجب واسع النطاق وتجفيف منابع التمويل والملاحقات القانونية، مما يشكل ردعًا حقيقيًا لهذه الأنشطة. وقد أصبحت مكافحة غسل الأموال تشمل تتبع التحويلات المقامرة ووقفها، مما يمثل حصارًا ماليًا فعالًا لتلك المنصات. وتؤكد هذه التجارب أن الحل الجذري يكمن في استهداف العصب الأساسي لربحية هذه المنصات، وليس مجرد مطاردة عناوينها الإلكترونية المتغيرة باستمرار. وبطبيعة الحال، تتطلب هذه الإجراءات تعاونًا وثيقًا بين مختلف الجهات المعنية، وعلى رأسها البنك المركزي الموريتاني، وخاصة وحدة التحريات المالية الموريتانية، حيث أُغلقت منصة 1XBET في العديد من دول العالم بسبب الاشتباه في تورطها في عمليات غسل الأموال. ويُعد تأثيرها الاقتصادي كبيرًا، حيث تمثل الأموال التي تتدفق إلى مواقع القمار استنزافًا لاقتصادات الدول النامية، كونها أموالًا تخرج من الدورة الاقتصادية المحلية دون عودة.

دور البنوك الوسيطة وسلطة تنظيم الاتصالات:
كما تعتبر البنوك الوسيطة شريكًا أساسيًا في هذه الجهود، حيث إن الحسابات الموجودة في التطبيقات البنكية التي يستخدمها الوسطاء في عمليات شحن حسابات القمار وسحب الأموال تسهل هذه العمليات بشكل كبير. وبدون هذه الحسابات، سيضطر المقامر إلى المرور عبر شبكات الدفع الدولية مثل فيزا وماستركارد، والتي يصعب الحصول عليها وشحنها في موريتانيا مقارنة بالتطبيقات البنكية. كما أن عملية سحب أرباح القمار عبر فيزا وماستركارد في موريتانيا تواجه صعوبات كبيرة بسبب قيود النظام المصرفي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لسلطة تنظيم الاتصالات و التي أعلنت في 2023 عن دعوة لإبداء الاهتمام من أجل اقتناء نظام حجب وطني، أن تُنسق مع شركات الاتصالات ومزودي خدمات الإنترنت لإنشاء جدار ناري وطني قادر على فلترة المحتوى وعناوين IP و DNS.

جهود الأجهزة الأمنية والقضائية:
ولا يمكن إغفال الدور الهام الذي تلعبه الأجهزة الأمنية والقضائية في هذا الإطار. فقد بذلت وحدة الأمن السيبراني في الدرك الوطني جهودًا كبيرة على مدى السنوات الماضية في إسقاط العديد من شبكات الاحتيال والجريمة السيبرانية، واستعادة مئات الملايين من الأوقية للضحايا. كما أنشأت الشرطة الموريتانية وحدة متخصصة في الجريمة السيبرانية ، والتي أعلنت مؤخرًا عن تفكيك شبكات إجرامية إلكترونية.

تحديات رقمية ومساعي حكومية:
ختامًا، يبدو المشهد معقدًا ومليئًا بالتحديات الرقمية؛ فمن جهة، تسعى الحكومات جاهدة لإغلاق منصات المراهنات الإلكترونية الضارة من خلال حجبها وتقويض بنيتها التحتية والمالية، ومن جهة أخرى، تعمل على حماية الفضاء الرقمي وتعزيز الوعي الرقمي والاستثمار فيه لمواجهة هذه التحديات المتنامية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى