ما هو التحول الرقمي؟ – الحالة الموريتانية
اليوم ، التكنولوجيا الرقمية تنتشر على استحياء في كل مكان في العملية الداخلية لغالبية الشركات والإدارات الموريتانية كما هي على مستوى التبادل و في العملية الاقتصادية إجمالا .
تعمل التكنولوجيا الرقمية على ترسيخ نفسها في قلب أنشطة مؤسساتنا وتوفر لهم إمكانية التواصل وخلق منتجات وخدمات جديدة وترشيد الوقت اللازم للتسويق ، ولكن أيضًا على مستوى الإدارات العامة التي تتيح لهم إدارة أفضل ومزيدًا من الإنتاجية والشفافية.
أصبح التحول الرقمي الآن قضية رئيسية وضرورية للشركات والإدارات لأنه يتيح لها أن تكون أكثر قدرة على المنافسة والنظام والإنتاجية.
يعتمد التحول الرقمي على ثلاث ركائز: التكنولوجيا والبيانات والابتكار
يميل الناس أحيانًا إلى الخلط بين التحول الرقمي و التشغيل الآلي ،الأوتوماتيكي(l’automatisation)
في التحول الرقمي هناك ثلاثة مستويات:
- الأول هو الرقمنة وهي أوتوماتيكية العمليات مصحوبة بثقافة اللاورقية (التخلص من الورق).
- الثاني هو الرقمنة أيضا بصفة أشمل وهي المراجعة العميقة للعمليات الإدارية ، التسييرية والتجارية لتوليد المزيد من الدخل وتحسين الإنتاجية.
- المستوى الثالث هو التحول الرقمي الذي يؤثر على البنية والثقافة ورأس المال البشري. يؤثر التحول الرقمي على الشركات في أساليبها التسويقية ومنتجاتها وفي إدارتها الخاصة والحكومةفي وزاراتها و مؤسساتها وأساليبها وطرق تبادلها مع المستفيدين. وبالتالي ، فإن التحول الرقمي هو أيضًا تحول في المنتجات وعمليات الخدمة وأدوات الإدارة.
لا يقتصر الأمر على عدم استخدام الورق فحسب ، بل إنه أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير.
بل يتسع أيضًا إلى تحسين العمليات لوضع الزبون و / أو المواطن في قلب اهتماماتنا لضمان تجربة أو خدمة أكثر مرونة تلبي القيود الجديدة.
في حالتنا ، السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نبتكر باستخدام التكنولوجيا وننتقل الى الرقمنة ، مع الموارد البشرية والأساليب التي تفرض نفسها منذ 50 عامًا باعتبارها الوسيلة الوحيدة، (القيمة والتي لا بديل عنها) . وبطء توفير القوانين اللازمة لإنشاء نظام بيئي رقمي ، وتسريع الرقمنة وتنشيط الإقتصاد .
هل الشركات والإدارات الموريتانية جاهزة لهذا الانتقال؟*
تظهر الوقائع أن هناك شهية للإنترنت وتعطش للرقمنة. إذ أصبحت غالبية الشركات ، وخاصة المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والشركات المنتجة ، على دراية بأهمية الرقمنة، وكذلك اهتمام صناع القرار السياسي بها (يتجسد ذلك من خلال انشاء وزارة متخصصة) على الرغم من أن الشركات الموريتانية ليست كلها منخرطة في العملية الرقمية ، مثل العديد من مؤسسات القطاع العام.
عقبات ومخاطر
عقبات التحول الرقمي عديدة. الأكثر أهمية: أساسا الخوف من الإرتباط والتعلق بالتكنولوجيا (أي تحكمها في التسيير) ، خاصة في إدارة الأعمال والأمن السيبراني.
وفيما يتعلق بالعقبات ، نذكر بشكل أساسي التأخر الكبير في الرقمنة بشكل عام على المستوى الوطني (إذ أننا مازلنا في مرحلة البنى التحتية) ، على الرغم من تنفيذ العديد من المشاريع والاستراتيجيات والسياسات والدراسات خلال السنوات الماضية.
اليوم ، يعتمد بقاء الشركات الصغيرة والمتوسطة(التي تعتبر ركيزة الاقتصاد في جميع العالم) على قدرتها على تنفيذ مشاريع التحول الرقمي ، ولكن للقيام بذلك ، يجب أن تدعمها الدولة واتحاد أرباب العمل والإتحاديات التابعة له … على سبيل المثال ، يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة استخدام الحلول السحابية بتمويل من الدولة ، بدلاً من الإستثمار في البرمجيات والأجهزة. يمكن أن تستفيد أيضًا من دعم تدريب جميع الموظفين على التحول الرقمي ، وما إلى ذلك. هذه مجموعة من التدابير التي من شأنها أن تسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة بأن تكون أكثر قدرة على المنافسة ، وخاصة في أوقات كوفيد والأوبئة المستقبلية لا قدر الله.
وتجدر الإشارة إلى أن تكاليف الإستثمار المرتفعة نسبيًا ، فضلاً عن مسألة الشفافية ، هي عقبات تحول دون الإنتقال إلى الرقمنة.
ممانعة قوية لاستخدام الحلول السحابية(استضافات،برمجيات…)
فيما يتعلق باستخدام الحلول السحابية ، لا تزال الحكومة ومعظم الشركات الموريتانية مترددة ، على الرغم من أن هذه هي الآلية الوحيدة التي ستسمح لنا بالتحرك بسرعة في سبيل الرقمنة. لماذا لا يتم إعداد حلول ومنصات سحابية وطنية ترقى إلى المستوى المعمول به عالميا وتشجيع المبادرات الخاصة في هذا المجال من خلال التمويل والتشريع؟
وسائل الإتصال والربط والإنترنت في تحسن دائم ولو بطيئ ، كذلك المهارات والنظام البيئي التكنولوجي ، ويمكن استخدام هذه المزايا لنصبح أمة رقمية.
يجب تعزيز الثقة في تكنولوجيا المعلومات وأن نعمل على ذلك من خلال التدريب والتوعية وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة…. لذلك نحن بحاجة إلى التعلم والوعي ونشر الثقافة الرقمية في جميع الأوساط التعليمية والعملية.
كمثال :ماذا عن القطاع المصرفي الموريتاني؟
شهد هذا القطاع تطورًا سريعًا للغاية بفضل العديد من التشريعات على المستويين الوطني والدولي ، ورقمنة وسائل ووسائط الدفع والمبادرات التي دعمها البنك المركزي ، إلخ.
هناك تغيير ملحوظ على نموذج الأعمال المصرفي الوطني،الذي أصبح يركز أكثر على المزيد من الحلول الرقمية (بالفعل في بعض البنوك قاموا بإنشاء مناصب جديدة “كمسؤول الرقمنة،أو البنك الرقمي” ).
علاوة على ذلك ، نظرًا لمعدل انتشار الأجهزة المحمولة ، فإن الغالبية لديها اتصال بالإنترنت. وبالتالي ، هناك عدد من العوامل التي ساعدت أو فرضت التحول الرقمي في القطاع المصرفي ، وقد سرعت أزمة كوفيد هذه الحاجة.
التأخر في التشريعات:
للإنتقال بسرعة إلى الرقمنة ، يجب أن ترافقنا التشريعات(التجارة الإلكترونية ، العمل عن بعد ، التوقيع الإلكتروني ، السحابة ،حماية البيانات الشخصية… ) . بعض هذه القوانين أغلبها موجود فعلا ولكن لم تنشأ ولم تفعل الهيئات المنظمة والمطبقة له. يجب على القطاع المعني دفع البرلمان لاعتماد أهم القوانين في هذا الاتجاه وبسرعة وتفعيل العمل بها.
كيف ستبدو مؤسسات المستقبل؟
المثير للإنتباه في هذا التحول الرقمي هو أن جميع المهن ستتأثر لا محالة : المحامون وشركات التأمين، البنوك، والموظفون… ..
لن يكون من الضروري اكتتاب أشخاص يتعاملون مع الأجهزة والبرامج ، بل بالأحرى تغيير شامل من التنظيم والمهارات. شركة المستقبل ليست أكثر من تجمع لمتعاونين على مهام معينة.
في مؤسسات المستقبل ، ستحدث ثورة في المنتجات نفسها ، فضلاً عن الخدمات. لن يبدو عمل المستقبل مثل اليوم لأننا لن نبيع المنتج نفسه ولابنفس الطريقة. سوف تغزو الرقمنة عالمنا وتجعل العمل مختلفًا جذريًا.
بالإضافة إلى ذلك ، لن يضطر الأشخاص إلى البقاء في المكتب من الساعة 8 صباحًا حتى الساعة 5 مساءً ، أو في وقت لاحق بالنسبة للبعض. سيتم العمل من المنزل أو أثناء التنقل. ستؤدي طريقة العمل هذه إلى تغيير نظام المؤسسات في المستقبل. ستجد الشركات التي تطلب وظائف حضورية بنسبة 100٪ صعوبة في التوظيف مقارنة بتلك التي تقدم العمل عن بُعد .
سيكون الموظفون أكثر ارتباطًا بتسجيل رمز للدخول وكلمة المرور، من الحضور الذاتي.
هل تمتلك موريتانيا المهارات اللازمة لمثل هذا التحول؟
تظهر العديد من المؤشرات والمعطيات أن لدينا مهارات ممتازة على المستوى الوطني ومهارات دولية تعمل مع الشركات الأوروبية والأمريكية الكبيرة.
قد يحتاج الأشخاص الآخرون فقط إلى تدريب لإعادة التأهيل الرقمي.لذلك يجب التركيز عليه في التكوين الجامعي والمهني.
التحول الرقمي هو تحول في الاستخدامات. لست مضطرًا إلى معرفة كيفية كتابة برامج الكمبيوتر ، بل يجب أن تعرف كيف تدمجها وتستخدمها في وظيفتك. “الاستخدام” هو المهارة الجديدة التي يجب غرسها في الناس.
نقطة أخرى مهمة هي تشجيع التكنولوجيا الرقمية ، والمؤسسات الناشئة(startup) في المجال الرقمي حتى يتمكن رواد الأعمال من إبراز أنفسهم. وسيتبع الآخرون “.
المهندس يعقوب أعبيدي